فصل: تفسير الآية رقم (101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (94):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}
{يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {السلام} {الحياة}
(94)- يُنَبِّهُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ إلى ضَرْبٍ آخَرَ مِنْ ضُرُوبِ القَتْلِ خَطَأً، كَأنْ يَحْصَلَ أَثْنَاءَ سَفَرٍ، أَوْ غَزْوٍ فِي سَبِيلِ اللهِ إلى أَرْضِ المُشْرِكِينَ، بَعْدَ أَنْ كَانَ الإِسْلامُ قَدِ انْتَشَرَ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ مِنَ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، وَكَانَ بَعْضَ المُسْلِمِينَ يُحَاوِلُونَ الاتِّصَالَ بِإِخْوانِهِمُ المُسْلِمِينَ، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُسْلِمِينَ بِأَنْ لا يَحْسَبُوا كُلَّ مَنْ وَجَدُوهُ، فِي أَرْضِ الكُفْرِ كافِراً، وَأَنْ يَتَرَيَّثُوا فِي الحُكْمِ عَلَيهِ حَتَّى يَفْحَصُوا أَمْرَهُ وَيَتَبَيَّنُوهُ.
(وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إِثْرَ حَادِثٍ وَقَعَ لُغُزَاةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَدْ مَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ مِنْ سُلَيْمٍ يَرْعَى غَنَماً فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ، فَقَالُوا إِنَّهُ لا يُسَلِّمُ عَلَينا إلا لِيَتَعَّوذَ مِنَّا، فَعَمَدوا إلَيهِ فَقَتَلُوهُ وَأتوا بِغَنَمِهِ إلى النَّبِيِّ).
وَيَقُولُ تَعَالَى: إذَا كُنْتُمْ تُجَاهِدُونَ فِي أَرْضِ الأَعْدَاءِ فَتَبَيَّنُوا، وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيكُمْ، وَيُظْهِرَ لَكُمْ إِسْلامَهُ، لَسْتَ مُسْلِماً، وَتَقْتُلُونَهُ رَغْبَةً مِنْكُمْ فِي الاسْتِحْواذِ عَلَى المَغْنَمِ مِنْهُ، فَعِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِمَا رَغِبْتُمْ فِيهِ مِنْ عَرَضِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، الذِي حَمَلَكُمْ عَلَى قَتْلِ مِثْلِ هَذَا الرَّجُلِ الذِي أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ، وَأَظْهَرَ لَكُمُ الإِيمَانَ، فَتَغَافَلْتُمْ عَنْهُ وَاتَّهَمْتُمُوهُ بِالمُصَانَعَةِ وَالتَّقِيَّةِ لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَمَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرِّزْقِ الحَلالِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ مَالِ هَذَا. وَقَدْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ، فِي مِثْلِ حَالِ هَذا الرَّجُلِ الذِي يُسِرُّ إِسْلامَهُ، وَيُخْفِيهِ عَنْ قَوْمِهِ، فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ بِالعِزِّ وَالنَّصْرِ، وَهَدَاكُمْ إلى الإِسْلامِ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، لا يَخْفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِنَ البَوَاعِثِ التِي حَفَزَتْكُمْ عَلَى فِعْلِ مَا فَعَلْتُمُوهُ.
ضَرَبْتُمْ- سَافَرْتُمْ.
السَّلامَ- الاسْتِسْلامَ أَوْ تَحِيَّةَ الإِسْلامِ.

.تفسير الآية رقم (95):

{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)}
{القاعدون} {والمجاهدون} {بِأَمْوَالِهِمْ} {المجاهدين} {القاعدين}
(95)- يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ مَا لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبيلِ اللهِ، بِأمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، مِنْ عَظِيمِ الأجْرِ وَالمَغْفِرَةِ وَالدَّرَجَاتِ الكَرِيمَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: إنَّ القَاعِدِينَ عَنِ الجِهَادِ- إذا كَانُوا غَيْرَ مَعْذُورِينَ، وَغَيْرَ ذَوِي عِلَّةٍ وَضَرَرٍ- لا يَسْتَوُونَ مَعَ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَإنَّ اللهَ فَضَّلَ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ، وَخَصَّهُمْ بِدَرَجَاتٍ عَظِيمةٍ، وَأَجْرٍ كَبير، وَإنْ كَانَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَ القَاعِدِينَ عَنِ الجِهَادِ عَجْزاً، مَعَ تَمَنِّي القُدْرَةِ عَليهِ، كَمَا وَعَدَ المُجَاهِدِينَ، بِالخَيْرِ وَالمَثُوبَةِ وَالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ لأنَّ كُلاً مِنْهُمْ كَامِلُ الإِيمَانِ، مُخْلِصٌ للهِ فِي العَمَلِ.
أولي الضَّرَرِ- أَرْبَابِ الأَعْذارِ المَانِعَةِ مِنَ الجِهَادِ.

.تفسير الآية رقم (96):

{دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}
{دَرَجَاتٍ}
(96)- وَهَذَا الأَجْرُ العَظِيمُ الذِي وَعَدَ اللهُ بِهِ المُجَاهِدِينَ، وَفَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى القَاعِدِينَ مِنْ ذَوي الأعْذَارِ، هُوَ دَرَجَاتٌ مِنْهُ، وَمَنَازِلُ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الكَرَامَةِ، وَالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَكَانَ اللهُ غَفُوراً لِذُنُوبِ أَوْلِيَائِهِ الذِينَ يَسْتَحِقُّونَ المَغْفِرَةَ، رَحِيماً بِأَهْلِ طَاعَتِهِ.

.تفسير الآية رقم (97):

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)}
{تَوَفَّاهُمُ} {الملائكة} {وَاسِعَةً} {فأولئك} {مَأْوَاهُمْ}
(97)- كَانَ فِي مَكَّةَ قَوْمٌ قَدْ أَسْلَمُوا، وَأَخْفُوا إِسْلامَهُمْ، فَأَخْرَجَهُمُ المُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ إلى قِتَالِ المُسْلِمِينَ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُمْ، فَقَالَ المُسْلِمُونَ كَانَ أَصْحَابُنا هَؤُلاءِ مُسْلِمِينَ، وَأُكرْهُوا فَاسْتَغْفَرُوا لَهُمْ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. فَكَتَبَ المُسْلِمُونَ إلى مَنْ بَقِيَ مِنَ المُسْلِمِينَ المُسْتَخْفِينَ فِي مَكَّةَ: أَنَّهُمْ لا عُذْرَ لَهُمْ، وَأَنَّ عَلَيْهِم الهِجْرَةَ.
والآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ أقَامَ بَيْنَ المُشْرِكِينَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الهِجْرَةِ، وَلَيسَ مُتَمكِّناً فِي مَوطِنِهِ مِنْ إقَامَةِ أمُورِ دِينِهِ، فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، مُرْتَكِبٌ حَرَاماً بِالإجْمَاعِ. وَظُلْمُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ هُوَ تَرْكُهُمُ العَمَلَ بِالحَقِّ خَوْفاً مِنَ الأَذَى، وَفَقْدِ الكَرَامَةِ عِنْدَ ذَوِي قُرْبَاهُمْ مِنَ المُبْطِلِينَ، وَهَذا الاعْتِذَارُ مِمَّا يَعْتَذِرُ بِهِ الذِينَ يُسَايِرُونَ أَصْحَابَ البِدَعِ بِحُجَّةِ دَفْعِ الأذَى عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِمُدَارَاةِ المُبْطِلِينَ، وَهَذَا لا يُعْتَدُّ بِهِ، لأنَّ الوَاجِبَ يَقْضِي عَلَيهِمْ بِإقَامَةِ الحَقِّ مَعَ احْتِمَالِ الأَذَى فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوِ الهِجْرَةِ إلى حَيْثُ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إِقَامَةِ دِينِهِمْ.
وَمَعْنَى الآيةِ: إَّن الذِينَ تَحْضُرُهُمُ الوَفَاةُ، وَهُمْ مُقِيمُونَ فِي أَرْضِ الشِّرْكِ لا يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةِ الشَّعَائِرِ الدِّينِيَّةِ، وَلا إِظْهَارَهَا (وَقَدْ عَدّ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاءِ ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ بِتَرْكِهِمُ الهِجْرَةَ إلى دَارِ الأمْنِ وَالإسْلامِ)، فَتَسْألُهُمُ المَلائِكَةُ الكِرَامُ: لِمَ لِبِثْتُمْ مُقِيمِينَ فِي أَرْضِ الكُفْرِ، وَتَرَكْتُمُ الهِجْرَةَ؟ فَيُجِيبُونَ: إِنَّهُم كُانُوا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ، لا يَقْدِرُونَ عَلَى الخُرُوجِ مِنَ البَلَدِ، وَلا الذَّهَابِ فِي الأَرْضِ. فَتَقُولُ لَهُمُ المَلائِكَةُ: أَلَيْسَتْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا إلى حَيْثُ الأَمْنِ وَالحُرِّيَّةُ، وَالقُدْرَةُ عَلَى إِظْهَارِ الإِيمَانِ؟ وَيَقَولُ تَعَالَى: إنَّ هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ لأَنْفُسِهِمْ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ، وَسَاءَتْ مَصِيراً.

.تفسير الآية رقم (98):

{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)}
{والولدان}
(98)- وَاسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنْ سُوءِ المَصِيرِ، الذِي يَنْتَظِرُ القَاعِدِينَ عَنِ الهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ- وَهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ إِقَامَةَ شَعَائِرِ دِينِهِمِ- المُسْتَضْعَفِينَ الذِينَ لا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ أَيْدِي المُشْرِكِينَ، وَالذِينَ لَوْ قَدِرُوا عَلَى التَّخَلُّصِ لَمَا اسْتَطَاعُوا الاهْتِدَاءَ إلى سُلُوكِ الطَّرِيق، وَإيجَادِ السَّبِيلِ، كَالعَجَزَةِ وَالمَرْضَى وَالنِّسَاءِ وَالمُرَاهِقِينَ الذِين عَقَلُوا.

.تفسير الآية رقم (99):

{فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
{فأولئك}
(99)- فَهَؤُلاءِ المَعْذُورُونَ قَدْ يَتَجَاوَزُ اللهُ عَنْهُمْ بِتَرْكِ الهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الكُفْرِ، وَاللهُ كَثيرُ العَفْوِ وَالغُفْرَانِ.

.تفسير الآية رقم (100):

{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}
{مُرَاغَماً}
(100)- يُحَرِّضُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَلَى الهِجْرَةِ، وَيُرَغِّبُهُمْ فِي مُفَارَقَةِ المُشْرِكِينَ، وَيُعْلِمُهُمْ أنَّ المُؤْمِنِينَ حَيْثُمَا ذَهَبُوا وَجَدُوا أَمَاكِنَ أَمْنٍ يَلْجَؤُونَ إلَيهَا، وَيَتَحَصَّنُونَ بِها مِنَ المُشْرِكِينَ، وَيَتَحَرَّرُونَ فِيها مِنَ الأَعْدَاءِ، وَيُرَاغِمُونَهُمِ بِها، وَيَجِدُونَ سَعَةً فِي الرِّزْقِ. وَمَنْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ بِنِيَّةِ الهِجْرَةِ فَيَلْقَى حَتْفَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ عِنْدَ اللهِ، مِثْلَ ثَوابِ مَنْ هَاجَرَ.
وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلَّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُها، أو امْرَأةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إلَيهِ».
المُرَاغَمُ- هُوَ مَكَانُ الهِجَرْةِ وَالمَأْوَى يُصِيبُ فِيهِ المُهَاجِرُ الخَيْرَ وَالسَّعَةَ فَيُرْغِمُ بِذَلِكَ أُنُوفَ أَعْدَائِهِ.

.تفسير الآية رقم (101):

{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}
{الصلاة} {الكافرين}
(101)- إذَا سَافَرْتُمْ فِي البِلادِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ حَرَجٌ، وَلا تَضييقٌ (جُنَاحٌ) أنْ تُخَفِّفُوا مِنَ الصَّلاةِ، بِجَعْلِ الصَّلاةِ الرُّبَاعِيَّةِ ثُنَائِيَّةً، وَعَدَّ الرَّسُولُ الكَرِيمُ صلى الله عليه وسلم القَصْرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: «صَدَقَة تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» وَعَدَّها الأَئِمَّةُ المُؤْمِنُونَ مُطْلَقَةً حَتَّى وَلَوْ تَحَقَّقَ الأَمْنُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَبْقَ مَا يُخِيفُهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ. وَقُدِّرَتِ المَسَافَةُ التِي تُجِيزُ القَصْرَ ب 81 كِيلُومِتْراً عِنْدَ الأَحْنَافِ، وَبِنَحْوِ 89 كِيلُومِتراً عِنْدَ أَصْحَابِ المَذَاهِبِ الأُخرى.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رِضْوَانَ اللهِ عَلَيْهَا: فُرضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا هَاجَرَ الرَّسُولُ إلى المَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلاةِ الحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلاةُ السَّفَرِ.
وَالآيَةُ هُنَا تَعْنِي القَصْرَ مِنَ الرَّكَعَاتِ فِي حَالَةِ الخَوْفِ، بِأنْ تُصَلِّي طَائِفَةٌ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا مَعَهُ أَتَمَّتْ هِيَ الرَّكْعَةَ الأُخْرَى لِنَفْسِهَا، وَتَأتِي الطَّائِفَةُ الأُخْرَى التِي كَانَتْ تَحْرُسُ الطَّائِفَةَ الأُولَى، التِي صَلَّتْ، فَتُصَلِّي مََع الإِمَامِ الرّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ تُتِمُّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ لِنَفْسِهَا.
(أمَّا قَصْرُ الصَّلاةِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَإنَّهُ مَأخُوذٌ مِنَ السُّنَّةِ المُتَوَاتِرَةِ).

.تفسير الآية رقم (102):

{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)}
{الصلاة} {طَآئِفَةٌ} {وَرَآئِكُمْ} {وَاحِدَةً} {لِلْكَافِرِينَ}
(102)- يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ النَّصَّ المُجْمَلَ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ قَصْرِ الصَّلاةِ، وَيُبَيِّنُ هُنَا كَيْفِيَّةَ أَدَاءِ صَلاةِ الخَوْفِ.
وَالأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّ صَلاةَ الخَوْفِ مَنْسُوخَةٌ مِنْ أَسْبَابِ تَأخِيرِ الصَّلاةِ. وَفِي صَلاةِ الخَوْفِ، إذَا كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فِي الجَمَاعَةِ وَأمَّ المُسْلِمِينَ فَي الصَّلاةِ، تَأْتِي طَائِفَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَتأتَمُّ بِالرَّسُولِ وَهُمْ بِأَسْلِحَتِهِمْ، وَكَامِلِ عُدَّتِهِمْ، وَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الأُولَى مِنْ صَلاتِهِ، وَيَسْتَمِرُّ النَّبِيُّ وَاقِفاً يُصَلِّي، وَتُتِمُّ الطَائِفَةُ المُؤْتَمَّةُ بِهِ صَلاتَهَا بِأَداءِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِنَفْسِهَا، وَتُسَلِّمُ وَتَقُومُ إلى مَكَانِ الحِرَاسَةِ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ التِي لَمْ تُصَلِّ، وَالتِي كَانَتْ فِي مَكَانِ الحِرَاسَةِ، فَتَأتَمُّ بِالنَّبِيِّ، وَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلاتِهِ، ثُمَّ تُتِمُّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلاتِهَا لِنَفْسِهَا وَتُسَلِّمُ. وَيُحَذِّرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ مِنْ غَدْرِ الكُفَّارِ، وَيُنَبِّهُ المُسْلِمِينَ لِيَأخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، وَلِيَكُونُوا عَلَى أُهْبَةِ الاسْتِعْدَادِ لِمُقَارَعَةِ الأَعْدَاءِ إذَا أَرَادُوا الغَدْرَ بِالمُسْلِمِينَ، وَهُمْ فِي صَلاتِهِمْ، وَاغْتِنَامِ الفُرْصَةِ فِيهِمْ، وَهُمْ مُنْشَغِلُونَ بِهَا.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى إنَّهُ لا حَرَجَ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَطَرٌ، أوْ كَانَ بِالمُسْلِمِينَ مَرَضٌ أنْ يَضَعُوا أسْلِحَتَهُمْ، وَلَكِنْ عَلَيهِمْ أَنْ يَحْذَرُوا وَيَحْتَاطُوا لِتَكُونَ أَسْلِحَتُهُمْ قَرِيبَةً مِنْهُمْ لأَخْذِهَا إذَا احْتَاجُوا إلى اسْتِعْمَالِهَا عَلَى عَجَلٍ. وَيُذَكِّرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِأنَّهُ وَلِيُّهُمْ، وَأنَّهُ نَاصِرُهُمْ وَمُخْزِي الكَافِرِينَ، وَأنَّهُ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابا مُهيناً يَوْمَ القِيَامَةِ.
حِذْ رَهُمْ- احْتِرازَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ.
تَغْفُلُونَ- تَسْهُونَ.

.تفسير الآية رقم (103):

{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}
{الصلاة} {قِيَاماً} {كِتَاباً}
(103)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ عَقِبَ صَلاةِ الخَوْفِ نَظَراً لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ التَّخْفِيفِ فِي أَرْكَانِهَا، وَمِنَ الرُّخْصَةِ فِي الذَّهَابِ وَالإِيابِ فِيهَا مِمَّا لا يُوَجُد فِي غَيْرِهَا. فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ، وَاطْمَأَنَّ المُسْلِمُونَ فَعَلَيهِمْ إِقَامَةُ الصَّلاةِ وَإِتْمَامُها بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، لأنَّ الصَّلاةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى المُؤْمِنِينَ لِتُقَامَ فِي أَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ، لا بُدَّ مِنْ أَدَائِها فِيها، عَلَى قَدَرِ الإِمْكَانِ.
وَقَدْ جُعِلَتِ الصَّلاةُ مَوْقُوتَةً لِتَكُونَ مُذَكرِّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِرَبِّهِمْ فِي الأَوْقَاتِ المُخْتَلِفَةِ، لِئَلا تَحْمِلَهُمُ عَلى إِتْيَانِ الشَّرِّ، أَوْ التَّقْصِيرِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ.
كِتَاباً مَوْقُوتاً- مَكْتُوباً مَحْدُودَ الأوْقَاتِ مُقَدَّراً.